Thursday, July 16, 2009

بعد أكثر من أربعين عاما.. عرض لوحات ورسائل فان جوخ


    شيماء زاهر


  • ترك فان جوخ (1853 - 1890) أثراً كبيراً على حركة الفن في القرن العشرين من خلال إسهاماته في تأسيس المدرسة التعبيرية Expressionism؛ التعبيرية ترى في الفن تجسيدا لتجربة شعورية مقابل تجسيد الحقائق المادية في المدارس الفنية السابقة.
    كان آخر معرض أقيم في بريطانيا للرسام الشهير عام 1968، من أكثر من أربعين عاما، حضره ما يزيد عن مائة وخمسين ألف شخص. ومؤخرا أعلنت الأكاديمية الملكية للفن ببريطانيا القيام بمعرض للوحات ورسائل فان جوخ في الثالث والعشرين من يناير وحتى الثامن عشر من إبريل القادمين؛ يشتمل المعرض على خمس وستين لوحة، ثلاثين رسمة، وتسعمائة رسالة، تتنوع بين ما كتبه فان جوخ لأخيه عن رسوماته، وما كتبه لصديقه الرسام الفرنسي بول جوجان Paul Gauguin. يهدف عرض الرسائل إلى تصحيح الأكذوبة عن فان جوخ بكونه "سطحي التفكير وغير مكترث" وفقا لجريدة التيليجراف. فهي تكشف عن الطريقة التي فكر بها فان خوج في فنه؛ فبرغم قدرته على العمل بسرعة وكثافة، هناك مساحة كبيرة للتأمل تكشف عنها الرسائل. متحف فان جوخ بأمستردام هو الذي سيمد قاعة الفن الملكي ببريطانيا برسائل فان جوخ بالإضافة إلى اثنتي عشرة لوحة.

  • إعلان نتيجة جائزة "جميل" للفن الإسلامي في بريطانيا
    جائزة "جميل" هي جائزة دولية جديدة للفن الإسلامي، تمنح ببريطانيا لأعمال مستقاة من الفن الإسلامي من جهة التصميم والحرفة. تبلغ قيمة الجائزة خمسة وعشرين ألف دولار بتمويل من رجل الأعمال السعودي الشهير "عبد اللطيف جميل". وتقام المسابقة كل عامين.
    في السابع من يوليو الحالي أعلن فوز الرسام الإيراني "آرفوز أميجي" Afruz Amighi بالجائزة عن لوحته "ألف وواحد صفحة"1001 Pages. لجنة التحكيم ذكرت أن الرسام أبدع شيئا جديدا، يفوق الحرفة؛ اللوحة مدهشة وتمتاز بالعمق والجمال، وفقا للجارديان البريطانية.
    يذكر أنه في صيف عام 2008 كانت قد أعلنت لجنة "القائمة القصيرة" التي اشتملت على تسع لوحات لرسامين من تركيا وإيران والمغرب من بين مائة عمل تم ترشيحه للجائزة. اللوحات التسعة -من ضمنهم اللوحة الفائزة- سيتم عرضهم في متحف "فيكتوريا وألبرت"Victoria and Albert في صالة عرض "جميل" للفن الإسلامي. الصالة كانت قد افتتحت للجمهور في يوليو 2006، علماً بأنه سيستمر عرض اللوحات بها حتى الثالث عشر من سبتمبر 2009...
  • غياب موقع إلكتروني لمصر في بينالي فينيسا!

تشهد مدينة فينيسيا بإيطاليا حتى الثاني والعشرين من نوفمبر مهرجانا للفن الشكيلي والمعمار. تشترك به خمس وسبعون دولة بأجنحة خاصة بها. ويشتمل المهرجان على إسهامات من دول عربية مثل المغرب وسوريا والإمارات والسعودية، ومصر التي تشارك بأعمال للمصور د.عادل السيوي والنحّات أحمد عسقلاني. يذكر أنه في بينيالي 2007 كانت مصر قد شاركت بجناح لها، بالإضافة إلى إنشاء موقع إلكتروني لعرض إسهاماتها في البينالي كما هو متبع، إلا أنه لأسباب غير معلومة لم تقم مصر في بينالي 2009 بإنشاء موقع إلكتروني لها وهو ما أضعف المشاركة المصرية. فلسطين والسعودية والإمارات قامت كل منهم بإنشاء مواقع خاصة بها يمكنك من خلالها مشاهدة الأعمال المعروضة.
بينالي فينيسا الذي يقام كل عامين يرجع إلى عام 1895 وكان في ذلك الوقت معرضا دوليا للفن. في عام 1930 استقلت الهيئة المنظمة له لتعدّ مهرجانات في السينما والموسيقى والمسرح على سنوات متفرقة. توقف في عام 1968 بسبب بعض الأحداث السياسية التي مرت بها إيطاليا. وعاد من جديد عام 1975. ومنذ عام 1989، أصبح أحد المهرجانات الفنية على المستوى الدولي، للتعرف على مشاركات الدول المختلفة من بينها فلسطين والسعودية والإمارات يمكنك الذهاب إلى الرابط التالي:
http://universes-in-universe.org/eng/bien/venice_biennale/2009/tour


  • لوحات في أوقات الحرب.. ببيروت!
    الحرب الأهلية امتدت في لبنان طوال ستة عشر عاما، بدأت في عام 1975 وانتهت عام 1991. لذا ففي الرابع عشر من يوليو الحالي يقام في مركز بيروت للفن معرضا بعنوان "الطريق إلى السلام: لوحات في أوقات الحرب، 1975 - 1991". يُذكر أن مركز بيروت للفن كان قد أنشئ في عام 2005 وأصبح مؤخرا أحد العلامات الثقافية البارزة لأهل البلد والسائحين، كما جاء بالنيويورك تايمز. المعرض المقام حاليا يشتمل على أعمال لعشرين فنانا لبنانيا. غالبية هذه الأعمال لم تُعرض من قبل، وتعكس طموح مركز بيروت للفن في أن يلعب دورا ثقافيا هاما في لبنان آمنة معاصرة. عنوان المعرض يأتي من سلسلة من اللوحات المطبوعة للفنان "عارف ريّس" Aref Rayess صوّر فيها الناجين من الحرب الأهلية اللبنانية. شبح الموت يظهر واضحا في اللوحات المعروضة، ويطغى عليها اللون القرمزي كتلك اللوحة التي يبدو فيها واضحا الذعر على الوجوه. بالإضافة للوحات، هناك أربعة تماثيل خشبية ينقسم كل منها إلى نصفين متماثلين؛ ترمز إلى حلم الفنان بإذابة الأجزاء التي دمّرتها الحرب في شرق وغرب لبنان وجعلهما كيانا واحدا.

  • في بريطانيا.. رسومات ناجي العليّ الكاملة
    أصدرت دار نشر فيرسو Verso ببريطانيا كتابا يحتوي على الرسومات الكاملة لرسام الكاريكاتير الشهير ناجي العليّ. العليّ برع في خلق شخصية "حنظلة" حافي القدمين بملابس قديمة، الذي يمر بمشاهد من الفقر والعنف وعدم المساواة. انتقد العليّ من خلاله الكبت السياسي في الأنظمة العربية وطمع الغرب في البترول، ورغبة إسرائيل في إنكار أي وجود للفلسطينيين، كما ذكرت المورننج ستار. حنظلة يبلغ من العمر أحد عشر عاما، نفس العمر الذي اضطر فيه ناجي العلي للهروب من قريته في الجليل عام 1948، خلال الحرب التي تسببت في قيام دولة إسرائيل.
    يبدأ الكتاب برسمة لحنظلة يحملق في شبكة من الأسلاك الشائكة تتدلى منها مفاتيح. محتجز في معسكر للاجئين، يحلم حنظلة بالبيوت التي من الممكن أن تفتحها تلك المفاتيح (بلد كاملة من بيوت بيضاء ناعمة تبدو على الفور كسحاب يطفو، قادرة على تخطي الحدود، تمكث أينما أرادت). في خياله، تتحرك سفينة داخل بحر مظلم، إلا أن السمك بالأسفل يأخذ شكلا إنسانيا يرجع بالسفينة إلى الشاطئ مرة أخرى. تضيف المورننج ستار إن استخدام العلي لمظاهر الطبيعة يعطي إحساسا حقيقيا بالبهجة. (الشعور بأن باب السجن سيفتح، ولو للحظة). يذكر أنه منذ سن الحادية عشرة عاش ناجي العلي في معسكر "عين الحلوة" للاجئين بجنوب لبنان، وانتقل بعد ذلك للعيش في الكويت ولندن، محطته الأخيرة التي لقي فيها مصرعه على يد مجهول عام 1987

Thursday, July 9, 2009

الجائزة الأهم في بريطانيا.. للحوت!

شيماء زاهر
"الحوت طالما أمدّ الإنسان باحتياجات مذهلة؛ في الستينيات من القرن الماضي دخل زيت الحوت في صناعة الآيس كريم، والصابون وزيت الفرامل للعربات، والمشمّع والسمن الصناعي.. من كبد الحوت استخرج فيتامين ألف. مضارب التنس صنعت من حشايا الحوت وطعام القطط من لحم الحوت. خلال القرن التاسع عشر، ارتدت السيدات مشدّات للصدر من عظام الحوت، لتأخذ أثداؤهن أشكالا غير طبيعية. في ذات الوقت أضاء زيت القناديل البيوت.. كان العنبر ذو الرائحة النفاذة للأمراء، أو المحبين لإغواء الفتيات، بينما من عاج الحوت -الأسنان- صنعت أصابع البيانو".
بهذه الفقرة يفتتح الناقد "بي ويلسن" Bee Wilson عرض كتاب "عملاق الماء أو الحوت" Leviathan, or The Whale للكاتب فيليب هور Philip Hoare في جريدة التايمز البريطانية، وهو الحاصل على جائزة صامويل جونسون للكتابات غير الأدبية، الجائزة الأهم في بريطانيا في هذا المجال.
يقول بي ويلسن في عرضه للكتاب إنه منذ وقت يونس (عليه السلام) وبقائه ببطن الحوت ثلاثة أيام، مثّل الحوت للإنسان "أسطورة تدفع الخيال".. ويسجل فيليب هور ولعه بالحوت منذ أن رآه كمجسم في متحف لندن للتاريخ الطبيعي ورؤيته له عندما كبر.. هنا مثلا يحكي فيليب هور عن الحوت:
"رأيت رجالاً بكوا حين رأوا الحوت للمرة الأولى، لا شيء آخر يمثل الحياة بهذا الكبر، رؤية حوت ليس مثل رؤية عصفور على شجرة في مدينة، أو قطة تعبر الطريق. ولا حتى كرؤية زراف يتلكأ في مرج إفريقي، الحيتان تفوق المعتاد، هم ليسوا حيوانات بقدر ما هم ينتمون للجغرافيا.. إن لم تتحرك الحيتان من الصعب أن تصدق بأنها كانت حية على الإطلاق".
يتداعى السرد ويحكي فيليب هور عن أشياء أخرى تتعلق به: طلق الولادة الذي شعرت به أمه عندما كانت في رحلة في غواصة بالبحر.. رعبه من السباحة حتى سن الخامسة والعشرين، وإعجابه آنذاك بعالم البحر وما به من كائنات.. "كأنما كنت أتحدى مخاوفي"، يضيف "هور" في حديث إذاعي له على موقع الجارديان.
يصف "هور" العلاقة التاريخية بين الإنسان والحوت: "في الماضي كنا نعتمد على الحيتان، والدتي ووالدتك كانتا تضعان مستحضرات تجميل من مركبات الحوت.. صيد الحيتان كحرفة ظل مسموحا به في أوروبا حتى عام 1986.. سريعا تحوّلنا من حضارة تصطاد الحيتان إلى أخرى تشاهد الحيتان.. هذا المفهوم، إن تاريخ البشر وتاريخ الطبيعة يتقابلان، هو ما يُقوي السرد في رأيي" يتحدث الكاتب في ذات الحوار بالجارديان.
الفقرة التالية مثلا تدلل على كلام "هور" أن تاريخ الطبيعة والبشر يتقابلان:
"الحيتان وُجدت قبل الإنسان، إلا أننا عرفنا عنها منذ جيلين أو ثلاثة. فحتى مع اختراع التصوير المائي، لم نعرف كيف كان شكلها.. فقط عندما رأينا الأرض من السفن الفضائية قمنا بتصوير أول حوت في بيئته الطبيعية.. الفيلم الأول عن "العنبر" (أحد أنواع الحيتان) على شواطئ سريلانكا، لم يتم تصويره حتى عام 1984. لقد عرفنا كيف بدا العالم قبل أن نعرف كيف بدت الحيتان. حتى الآن، هناك الحوت ذو المنقار، نعرفه فقط حين يجرف البحر عظامه على الشواطئ البعيدة.. تلك الحيوانات الخفية في قاع البحر، تحمل علامات غريبة، لم يرها العلماء مطلقا، حية كانت أم ميتة، ولم تدرس بالقدر الكافي حتى أنها تصنف "بيانات ناقصة".. من الأجدر بنا أن نتذكر أن حيوانات العالم أكبر منا، لم يحن الوقت بعد لنراها.. ليس كل شيء مصنف، وله لقب، وأرقام.. في المحيطات حيتان كبيرة تسبح لم يسمّها الإنسان بعد".
الفقرة السابقة تربط إذن بين تطور الأقمار الصناعية ومعرفة الإنسان للحوت عن قرب للمرة الأولى؛ الكتاب يحكي أيضا عن الأدب، تحديدا رواية "موبي ديك" Moby-Dick هنا نذكر شيئا عنها.
كتب رواية "موبي ديك" Moby-Dick الكاتب الأمريكي هيرمان ملفيل Herman Melville ، في القرن التاسع عشر تحديدا في عام 1851؛ وتحكي عن بحار يُدعى "إسماعيل" Ishmael تبتر ساقه وتحطم مركبه بواسطة حوت أبيض كبير يعرف باسم "موبي ديك"، ويسعى "إسماعيل" للثأر لنفسه من الحوت. وإذا كان في "موبي ديك" لا يخرج الحوت عن كونه حيوانا مفترسا؛ فإن فيليب هور يضفي صفات إنسانية على الحوت.. يقول مثلا إنه عندما رأي الحيتان في المحيط الأطلسي، شعر بأنهم "يحكمون عليّ. يعرفون من أنا. حتى لو لم أستطع فهمهم، أحسست أنني جسد على خريطة رباعية الأبعاد، يفحصونني بالحواس الستة".
في مواضع أخرى يصف "هور" الحوت بشاعرية؛ فهو "كالسحاب"؛ "عملاق حي محير كلغز"؛ و"بلاد بها مجتمعات كالكواكب".
هذه المبالغة في الوصف هي الانتقاد الذي وجهه الناقد "بي ولسن" للكاتب في نفس المقال بالتايمز:
"يقول فيليب هور: إن الحوت قُدّر له أن يشارك الإنسان نفس الهواء، ويخسر حياته في محاولة الإبقاء عليها، في موقف صعب كأي فيلسوف تحيره ظروف الإنسان" أتساءل هنا إن كان بإمكاننا أن نقول نفس الشيء على أي حيوان آخر، ليكن الفأر مثلا"!
ولع الكاتب بالموضوع الذي يتناوله، السرد الحالم، وقدرة الكاتب على إشراك القارئ معه هي أسباب اختيار "هور" للجائزة، وفقا لما ذكرته لجنة التحكيم على موقع الجائزة على الإنترنت.
لـ"فيليب هور" البالغ من العمر واحدا وخمسين عاما عدة كتب في مجال السيرة الذاتية مثل كتابه عن أوسكار وايلد Oscar Wilde’s Last Stand. خمس سنوات هي الزمن الذي استغرقه "هور" لكتابة "الحوت" وعشرون ألف جنيه استرليني هي قيمة الجائزة، التي أعلن فوزه بها في التاسع والعشرين من يونيو الماضي.

Thursday, July 2, 2009

جائزة "إمباك دبلن الأدبية".. للحلم الأمريكي المهزوم!

شيماء زاهر
ذهبت جائزة "إمباك دبلن الدولية الأدبية" للكاتب الأفرو - أمريكي "مايكل توماس"البالغ من العمر واحد وأربعين عاماً عن روايته "رجل
مهزوم" Man Gone Down وهو العمل الأدبي الأول للكاتب الشاب الذي كان قد حقق نجاحاً ملحوظاً فور صدوره عام 2007، متصدراً أفضل عشرة كتب مبيعاً في قائمة نيويورك تايمز، وبيع منه خمسة وستون ألف نسخة، ويجرى إصدار طبعته الرابعة.
تركّز الرواية على أربعة أيام مأساوية في حياة الراوي (البطل)، أسود البشرة الذي لا يحدد له اسم، يُطلب منه خلالها توفير مبلغ كبير من المال؛ للحفاظ على استقراره الأسري واستقرار حياته. ويذكر الكاتب "مايكل توماس" في نيويورك تايمز أن تشابهاً ظاهرياً يجمعه بالراوي؛ فمثله نشأ في مدينة "بوسطن" الأمريكية، تعثر في الكلية، وهو أيضاً رجل أسود متزوّج من سيدة بيضاء، وله ثلاثة أطفال، تتطابق حروفهم الأولى مع أسماء أطفال الراوي، بل وأفضل أصدقائه رجل أبيض.
من خلال لون الراوي الأسود تطرح الراوية تساؤلاً عن "الحلم الأمريكي" الذي يُعدّ أحد المبادئ التي تقوم عليها الولايات المتحدة الأمريكية، ويعد بفرص متساوية للجميع. جدير بالذكر هنا أن مصطلح "الحلم الأمريكي" ذُكر للمرة الأولى في التاريخ الأمريكي عام 1931 في كتاب "ملحمة أمريكا" Epic of America، وعرّفه المؤرخ الأمريكي "جيمز تراسلو آدمز" James Truslow Adams"" بأنه الحلم بأرض يمكن لكل رجل وامرأة فيها الوصول إلى المكانة التي يستحقها بغض النظر عن ظروف المولد أو الوضع الاجتماعي. وفي إعلان الاستقلال الأمريكي جاءت الإشارة إلى أن "كل الخلق سواء" وأن للجميع حقوقاً خالصة في "الحياة والحرية والبحث عن السعادة".
وإذا كانت فكرة المساواة هنا تمثّل ركناً أساسياً في المجتمع الأمريكي، فإن الرواية توضّح أن هذا الحلم غير حقيقي؛ حيث يصف الراوي مثلاً القسوة التي عانى منها وهو صغير بسبب لون بشرته، ولا يريد لطفله الوليد نفس المصير:
"ظننت حينما وُلد ابني، أن عينيه ستكونان مغلقتين، لم أعرف أنه كان سينام أم سيصرخ، لكن عينيه ستكونان مغلقتين. لم تكونا كذلك.. كانتا كبيرتين، شكل اللوزة، لون النحاس تماماً مثلي. حدق في.. أعطيته مفصل أصبعي، مضغه، ولايزال يحدق في.. رأى كل شيء عني ندبة الجديري على جبهي، الندبة الغليظة، بجوارها حرق السجائر الثمل الغائب الوعي الذي أحدثه والدي على بطني، الإهانات والألقاب التي تُقذف كالطوب من شباك العربة، أو كدفقات سامة من بين صفوف خزائن اللاعبين العالية، كلمات وتهديدات في ذلك الوقت الذي قيلت فيه، لم تُسبب لي جرحاً؛ لأنها لم تكن بالقوة الكافية، أو لأنني ببساطة نسيتها. أحمله الآن، الولد الرفيع بلون شعره الرديء الأسود، وبشرته المعتمة حديثة العهد.. اكتشف أنهم أهالوني الضرب جميعاً، ولايزال يؤلم. طفلي كان صامتاً، أسكته على أية حال -طويل وناعم- وعدته بأنني لن أسمح لهم بأن يفعلوا به ما فعلوا بي؛ سيكون آمناً معي".
يتضح في الفقرة السابقة، كيف يعود الراوي بالزمن من خلال اللحظة الحاضرة خلال الرواية، تتداعى إحباطاته الحالية، وصراعه بألا يعود لإدمان الكحول، مع ذكريات الماضي. في مقال لها بالنيويورك تايمز تصف الناقدة "كايما جلوفر"Kaiama Glover الرواية بـ"المتشائِمة"؛ لكنها تُضيف: "ومضات من الأمل تسري بها، تبقي الراوي مبتهج، بوعد الحب".. وتدلل "كايما جلوفر" على كلامها بجزء من الرواية، يحكي فيها الراوي عن والدته:
"كان هناك ضوء في تلك الحجرة الصغيرة تحرّك خلالي، أكثر دفئاً من دمي؛ كان بها؛ كان حولنا في كل مكان: الحوض، الطاولة، القائم الممتد؛ بدا وجهها مشعاً من مكان ما لم أميّزه.. الحب لم يكن محدداً إن كان هذا حبها لي، أو حبي لها؛ كأنه كان دوماً هنا، وخلال مشاعرنا المسرفة، شعر به كل منا -بلسم على الجرح..".
الإنسانية التي تبدو في المقاطع السابقة وتحفل بها الرواية وصوت الراوي (البطل) الذي يبعث على المفاجأة، جاءا كأسباب حصول "مايكل توماس" على الجائزة وفقاً لموقع "إمباك دبلن" على الإنترنت، الذي ذكر أن الكاتب استطاع أن يصوّر بغنى شديد مأساة بقاء إنسان في ظل إسطورة الولايات المتحدة الأمريكية، المندمجة، التي لا يمثل لها العرق فارقاً. الرواية أوضحت بشكل يبعد عن استغلال العاطفة أن المستقبل يمكن أن يغلق بلا رحمة في وجة الفئات المهمّشة بسبب العرق أو الظروف الاجتماعية.
اللافت للنظر أن الكاتب "مايكل توماس" أوضح أنه لا يعرف إن كان اختياره للجائزة كان بسبب موهبته وحدها أم إن بواعث أخرى غير أدبية لعبت دوراً!. مشيراً إلى موجة التفاؤل العالمية التي واكبت انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حتى وإن كانت الرواية قد صدرت قبل أن يُصبح أوباما أحد مرشحي الرئاسة الأمريكية. ويضيف في ذات الحوار لنيويورك تايمز:
"عندما ذهبت إلى إيرلندا هذا الشهر لتسلّم الجائزة، ظل الناس حولي يسألونني.. كل شيء على ما يرام الآن، أليس كذلك؟.. كأنهم يريدون تمرير شيء ما هناك يريدون تصديقه، ثمة حدوتة محببة بأن هذا البلد تشكّل فجأة على هيئة مدينة فاضلة لكل البشر".
يعمل توماس براون حالياً على كتابة سيرة ذاتية يحكي فيها عن أربعة أجيال، لرجال عائلته، بعدها يتّجه لكتابة ثلاث روايات في ذهنه بالفعل. ويؤكد أن فوزه بالجائزة دفعة كبيرة له، فهي ستقلل ضعط البحث عن المال وتُوفّر له بعض الوقت، وسيسدد منها ديونه التي أخذها بالبطاقة الائتمانية.
تلي جائزة إمباك دبلن الأدبية في الأهمية جائزة نوبل، وتبلغ قيمتها مائة ألف يورو أو مائة وثلاثة وثمانين ألف دولار، هو المبلغ الذي حصل عليه مايكل توماس بفوزه بالجائزة في الحادي عشر من يونيو.