شيماء زاهر
يعد لقب "أمير الأطفال" أحد أهم الجوائز التي تمنح في إنجلترا لرسام أو كاتب أطفال ذي موهبة خاصة؛ وفي التاسع من شهر يونيو الحالي، حصل كاتب الأطفال والرسام أنتوني براون على هذا اللقب بعد سلسلة من الجوائز في مجال إبداع الأطفال؛ يهدف هذا المقال إلى التعريف بأنتوني براون وأسباب حصوله على هذا اللقب.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بعام واحد ولد أنتوني براون في مقاطعة يوركشاير بإنجلترا، توفي والده في سن صغير نسبيا، السابعة عشرة، وهو الحدث الذي سيبدو أثره واضحا في أعماله كما سيأتي ذكره لاحقا. وفي عام 1967 تخرج أنتوني براون من جامعة ليدز بعد أن درس تصميم الجرافيك.
في حوار له مع الجارديان البريطانية، يذكر أنتوني براون أنه لم يتجه لمجال الكتابة والرسم مباشرة؛ فقد عمل بداية في شيء بعيد تماما عنه، وهو الرسومات الطبية.
وفي هذا يصرّح بقوله: "العمل في مجال الرسومات الطبية أفادني أكثر من السنوات الأربع التي قضيتها في الجامعة؛ كنت أقوم بعمل صعب، وهو حكي العمليات الجراحية، برسومات بدت حقيقية لكنها لم تكن كذلك".
بعد ذلك اتجه أنتوني براون لتصميم الكروت، مما سمح له بتجريب أنماط أخرى وأساليب مغايرة في الرسم، لم تأت الفرصة لتجريبها أثناء دراسته.
في عام 1976، أي بعد تخرجه بتسع سنوات، أصدر أنتوني براون كتابه المصور الأول "خلال المرآة السحرية Through the Magic Mirror تبعه كتابان آخران حققا نجاحا محدودا وهما "تمشية في الحديقة" A Walk in the Park و"صيد الدبة" Bear Hunt إلا أن شهرته ككاتب ورسام جاءت مع كتابه الرابع "الغوريلا" Gorilla الذي استقى فكرته من أحد الكروت التي كان قد صممها.
وكما يدل العنوان فإن البطل الرئيسي هنا "الغوريلا" التي ترتبط بطفلة وحيدة يغيب عنها والدها؛ حيث تذهب لحديقة الحيوان بصحبة لعبتها التي تتحول إلى غوريلا، لتحل مكان الأب الذي تفتقده، وافتقده براون أيضا بموت والده في سن صغير.
الأعمال التالية لبراون جاءت سلسلة من الكتب المصورة عن شمبانزي يدعى "ويلي"، إلا أنه بخلاف كتابه "الغوريلا" الذي يصور فيه براون علاقة غوريلا بطفلة صغيرة، تجيء كتبه التالية في الغالب عن مجتمع من الغوريلا يعيش فيه البطل "ويلي" وحيدا منبوذا لأسباب تختلف كل مرة؛ مرة لأنه نحيف وسط عالم من الغوريلا الأقوياء كما في "ويلي الخذلان" Willy the Wimp، ومرة لأنه لا يستطيع أن يكون بطلا رياضيا كما في "ويلي البطل" Willy the Champ ومرة يتغلب "ويلي" على وحدته بصداقته لشمبانزي كبير كما في "ويلي وهيو" Willy and Hugh أو يغوص "ويلي" في أحلامه بأن يكون نجما سينمائياً وملاكما وكاتبا ذائع الصيت كما في "ويلي الحالم" Willy the Dreamer.
أنتوني براون يرى في الغوريلا أبعد من حيوان ضخم؛ فهو كما ذكر في الجارديان معجب بالغوريلا لما تمثله من تناقض: القوة الرهيبة والدعة في آن واحد؛ كيف نراها نحن كائنا مفترسا بينما في واقع الأمر هي ليست كذلك.
وإذا كانت هذه رؤيته للغوريلا بصفة عامة، فإنه قد صاغ شخصية "ويلي" الشمبانزي اعتمادا على جانب من طفولته كما جاء في حوار له على موقع جامعة ويسكونسن ماديسون:
"تعتمد شخصية ويلي –إلى حد ما- على طفولتي؛ فقد كان لي أخ يكبرني بعامين، وكنت على الدوام في محاولات لكي أكون ناجحا مثله في لعب الكرة وتسلق الأشجار والرسم؛ وبدا لي أني لن أنجح أبدا.. "ويلي" هو شمبانزي يعيش وسط غوريلا أكثر منه قوة وأهمية؛ ولهذا السبب يتوحد الأطفال معه؛ لأن حياتهم يهيمن عليها آباؤهم والمدرسون ورجال الشرطة والسياسة.. ويبدو لي أن بعض البالغين يمرون بنفس تلك المشاعر".
ويبدو تأثر أنتوني براون بطفولته في كتاب مصور آخر بعنوان "أبي" My Dad، والذي قام براون بكتابته بعد أن عثر على "روب" والده الذي كان لا يزال يحمل رائحته.
في كل تلك الأعمال، يمثل الخيال عنصرا أساسيا للحكي؛ فرسومات براون يغلب عليها الطابع السريالي.
ولعله من المهم هنا أن نذكر شيئا عن السريالية، وهي الحركة الفنية التي ظهرت في عشرينيات القرن الماضي على يد سيلفادور دالي وهنري روسو وآخرين وتعمد إلى كل ما هو غير منطقي. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وما خلفته من دمار، اتجهت السريالية إلى الأحلام، باعتبارها عالما جميلا غير منطقي؛ ففي الأحلام، تكتسب الأشياء المعتادة معاني جديدة غير معتادة.
وإذا كان أنتوني براون تأثر بالرسامين السريالين فإنه يرى أن السريالية ترتبط خاصة بالأطفال، لأنها تدعو إلى رؤية الأشياء من زاوية جديدة، والأطفال دائما قادرون على هذا، على العكس مما نتصور عنهم.
فإذا ما نظرنا مثلا إلى رسومات أنتوني براون نجد أنها تتعلق بعالمين يتم تبادل مفرداتهما؛ في قصة "الغوريلا" مثلا تقف "الغوريلا" أمام الطفلة "حنة" وهي ترتدي "قبعة" و"بابيون"؛ وفي "ويلي الحالم" يقف شمبانزي كبير يحمل في يده اليسرى موزة كبيرة، ويصطف وسط الصورة مجموعة من الشمبانزي يرتدون ملابس تعبر فيما يبدو عن أحلام "ويلي": الشمبانزي بملابس تشبه لاعبي السيرك، وفي نهاية ذيله موزة؛ الشمبانزي في زي المحاربين القدامى، والشمبانزي المتأنق الذي يضع في قبعته الزهور؛ وفي رسمة أخرى يبدو التأثير السريالي واضحا في تصوير الشمبانزي مرة على هيئة بيضة ومرة على هيئة قط، ومرة أخرى كفتاة ترتدي فستاناً وتحمل نعامة، مع وضوح اللون الأصفر على الصورة وبعض الأنماط الأخرى مثل شكل الموزة التي يمكن تمييزها بعد قليل من التأمل.
هذه الغرابة- إن جاز التعبير- المستقاة من الفن السريالي هي ما يميز رسومات براون، وفقا لما ذكرته اللجنة التي منحت أنتوني براون لقب "أمير الأطفال".
أنتوني براون ذكر أنه سيستغل لقب "أمير الأطفال" للعامين القادمين للتركيز على أهمية الكتب المصورة وقراءة كل من الكلمات والصور؛ فبراون يرى أن الكتب المصورة تصلح لجميع الأعمار، وليست كتبا يمكنك تركها إذا ما كبرت. فالكتب المصورة الجيدة تترك مساحة بين الكلمات والصور، يملؤها خيال القارئ، وهو ما يضيف الكثير لمتعة القراءة.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بعام واحد ولد أنتوني براون في مقاطعة يوركشاير بإنجلترا، توفي والده في سن صغير نسبيا، السابعة عشرة، وهو الحدث الذي سيبدو أثره واضحا في أعماله كما سيأتي ذكره لاحقا. وفي عام 1967 تخرج أنتوني براون من جامعة ليدز بعد أن درس تصميم الجرافيك.
في حوار له مع الجارديان البريطانية، يذكر أنتوني براون أنه لم يتجه لمجال الكتابة والرسم مباشرة؛ فقد عمل بداية في شيء بعيد تماما عنه، وهو الرسومات الطبية.
وفي هذا يصرّح بقوله: "العمل في مجال الرسومات الطبية أفادني أكثر من السنوات الأربع التي قضيتها في الجامعة؛ كنت أقوم بعمل صعب، وهو حكي العمليات الجراحية، برسومات بدت حقيقية لكنها لم تكن كذلك".
بعد ذلك اتجه أنتوني براون لتصميم الكروت، مما سمح له بتجريب أنماط أخرى وأساليب مغايرة في الرسم، لم تأت الفرصة لتجريبها أثناء دراسته.
في عام 1976، أي بعد تخرجه بتسع سنوات، أصدر أنتوني براون كتابه المصور الأول "خلال المرآة السحرية Through the Magic Mirror تبعه كتابان آخران حققا نجاحا محدودا وهما "تمشية في الحديقة" A Walk in the Park و"صيد الدبة" Bear Hunt إلا أن شهرته ككاتب ورسام جاءت مع كتابه الرابع "الغوريلا" Gorilla الذي استقى فكرته من أحد الكروت التي كان قد صممها.
وكما يدل العنوان فإن البطل الرئيسي هنا "الغوريلا" التي ترتبط بطفلة وحيدة يغيب عنها والدها؛ حيث تذهب لحديقة الحيوان بصحبة لعبتها التي تتحول إلى غوريلا، لتحل مكان الأب الذي تفتقده، وافتقده براون أيضا بموت والده في سن صغير.
الأعمال التالية لبراون جاءت سلسلة من الكتب المصورة عن شمبانزي يدعى "ويلي"، إلا أنه بخلاف كتابه "الغوريلا" الذي يصور فيه براون علاقة غوريلا بطفلة صغيرة، تجيء كتبه التالية في الغالب عن مجتمع من الغوريلا يعيش فيه البطل "ويلي" وحيدا منبوذا لأسباب تختلف كل مرة؛ مرة لأنه نحيف وسط عالم من الغوريلا الأقوياء كما في "ويلي الخذلان" Willy the Wimp، ومرة لأنه لا يستطيع أن يكون بطلا رياضيا كما في "ويلي البطل" Willy the Champ ومرة يتغلب "ويلي" على وحدته بصداقته لشمبانزي كبير كما في "ويلي وهيو" Willy and Hugh أو يغوص "ويلي" في أحلامه بأن يكون نجما سينمائياً وملاكما وكاتبا ذائع الصيت كما في "ويلي الحالم" Willy the Dreamer.
أنتوني براون يرى في الغوريلا أبعد من حيوان ضخم؛ فهو كما ذكر في الجارديان معجب بالغوريلا لما تمثله من تناقض: القوة الرهيبة والدعة في آن واحد؛ كيف نراها نحن كائنا مفترسا بينما في واقع الأمر هي ليست كذلك.
وإذا كانت هذه رؤيته للغوريلا بصفة عامة، فإنه قد صاغ شخصية "ويلي" الشمبانزي اعتمادا على جانب من طفولته كما جاء في حوار له على موقع جامعة ويسكونسن ماديسون:
"تعتمد شخصية ويلي –إلى حد ما- على طفولتي؛ فقد كان لي أخ يكبرني بعامين، وكنت على الدوام في محاولات لكي أكون ناجحا مثله في لعب الكرة وتسلق الأشجار والرسم؛ وبدا لي أني لن أنجح أبدا.. "ويلي" هو شمبانزي يعيش وسط غوريلا أكثر منه قوة وأهمية؛ ولهذا السبب يتوحد الأطفال معه؛ لأن حياتهم يهيمن عليها آباؤهم والمدرسون ورجال الشرطة والسياسة.. ويبدو لي أن بعض البالغين يمرون بنفس تلك المشاعر".
ويبدو تأثر أنتوني براون بطفولته في كتاب مصور آخر بعنوان "أبي" My Dad، والذي قام براون بكتابته بعد أن عثر على "روب" والده الذي كان لا يزال يحمل رائحته.
في كل تلك الأعمال، يمثل الخيال عنصرا أساسيا للحكي؛ فرسومات براون يغلب عليها الطابع السريالي.
ولعله من المهم هنا أن نذكر شيئا عن السريالية، وهي الحركة الفنية التي ظهرت في عشرينيات القرن الماضي على يد سيلفادور دالي وهنري روسو وآخرين وتعمد إلى كل ما هو غير منطقي. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وما خلفته من دمار، اتجهت السريالية إلى الأحلام، باعتبارها عالما جميلا غير منطقي؛ ففي الأحلام، تكتسب الأشياء المعتادة معاني جديدة غير معتادة.
وإذا كان أنتوني براون تأثر بالرسامين السريالين فإنه يرى أن السريالية ترتبط خاصة بالأطفال، لأنها تدعو إلى رؤية الأشياء من زاوية جديدة، والأطفال دائما قادرون على هذا، على العكس مما نتصور عنهم.
فإذا ما نظرنا مثلا إلى رسومات أنتوني براون نجد أنها تتعلق بعالمين يتم تبادل مفرداتهما؛ في قصة "الغوريلا" مثلا تقف "الغوريلا" أمام الطفلة "حنة" وهي ترتدي "قبعة" و"بابيون"؛ وفي "ويلي الحالم" يقف شمبانزي كبير يحمل في يده اليسرى موزة كبيرة، ويصطف وسط الصورة مجموعة من الشمبانزي يرتدون ملابس تعبر فيما يبدو عن أحلام "ويلي": الشمبانزي بملابس تشبه لاعبي السيرك، وفي نهاية ذيله موزة؛ الشمبانزي في زي المحاربين القدامى، والشمبانزي المتأنق الذي يضع في قبعته الزهور؛ وفي رسمة أخرى يبدو التأثير السريالي واضحا في تصوير الشمبانزي مرة على هيئة بيضة ومرة على هيئة قط، ومرة أخرى كفتاة ترتدي فستاناً وتحمل نعامة، مع وضوح اللون الأصفر على الصورة وبعض الأنماط الأخرى مثل شكل الموزة التي يمكن تمييزها بعد قليل من التأمل.
هذه الغرابة- إن جاز التعبير- المستقاة من الفن السريالي هي ما يميز رسومات براون، وفقا لما ذكرته اللجنة التي منحت أنتوني براون لقب "أمير الأطفال".
أنتوني براون ذكر أنه سيستغل لقب "أمير الأطفال" للعامين القادمين للتركيز على أهمية الكتب المصورة وقراءة كل من الكلمات والصور؛ فبراون يرى أن الكتب المصورة تصلح لجميع الأعمار، وليست كتبا يمكنك تركها إذا ما كبرت. فالكتب المصورة الجيدة تترك مساحة بين الكلمات والصور، يملؤها خيال القارئ، وهو ما يضيف الكثير لمتعة القراءة.